الجمعة، مايو 20، 2011

قراءة في رواية صخب الصمت لـ رشا عدلي



قرا الوجدان .. و اكتفى

و ادرج الصمت فى مدونته القصيه .. توقيع و اعتذار

أحيانا عندما يكون كل ما حولنا صاخب .. يعلن الصمت عن صخبه الاكثر ضجراً.

فى المدى تتلاقى أصداء الأرواح .. تتجاذب الأنات .. تبوح ألماً .. و تعتصر الجراح .. والهون فى الحلق غصة لا تلفظ ولا تبتلع .. الألم مباح

يلتقي كل من (معز) و (هند) ، كل يحمل همه الخاص والعام. لا ندري من منهم قد ألقى على عاتق الآخر بهمه، ولكننا ندرك أن هناك من حُمِّل بهموم وطن.

رشا عدلي الفنانة التي طالما أبهرتنا بنخبة من اللوحات الفنية المنتقاة بعناية، وأثرت معلوماتنا – نحن – المتابعون لمدونتها الإلكترونية التي اختارت لها إسم gallery ، فكانت بالفعل معرض للوحات فنية مضى عليها قطار العمر وبقي الإنبهار والدهشة تصاحبان العابرين بها. هي الآن تضع بين أيدينا باكورة ابداعاتها الأدبية (رواية صخب الصمت).

ولأنها مؤرخة فنية، فكان لابد وأن تحتل اللوحات الفنية مكانها على صفحات روايتها الأولى.

أول ما تطالعنا به وتثير دهشتنا أو بالأحرى فضولنا هي لوحة الغلاف la viajera أو المسافر للفنان الشيلي Mori Camilo. بلاشك أن إنتقائها للوحة لم يأتي على سبيل الصدفة، وليس فقط لوجه الشبه بين بطلة الرواية وبطلة اللوحة من حيث الملامح والملابس ونظرة الحزن التي تكسو وجهيهما، إنما هي نظرة أشمل لفكرة الوجود في الحياة وأننا ف

ي هذه الدنيا لسنا سوى مجرد عابرين (مسافرين). فلننظر ملياً ماذا تُخَلِفُ آثار أقدامنا!

إن كانت لوحة الغلاف ألقت عينا بظلال الرواية، فإن باقي اللوحات تخبرنا بالمزيد.

اللوحة الرابعة- من حيث الترتيب في الذكر- المعلقة على الحائط في منزل (جوزفين) ،والتي لم تأتي الكاتبة على ذكر تفاصيلها إلا أنها ذكرت أن هند كانت تشعر أنها بطلة اللوحة، تلك الفتاة الصغيرة ذات الجدائل الطويلة تمسك بيد رجل عجوز ويسيران معاً في طريق ضيق وطويل بلا نهاية.

هناك ما يدعوني إلى اعتبار اللوحات بمثابة محطات في حياة (هند). فهي تلك الفتاة الصغيرة التي تمر في طريق ضيق طويل بلا نهاية بصحبة أبيها. واللوحة إذ تشير إليه بالعجوز، هذا لأنه حتى في أيام شبابه الأولى وعلى ما تمتع به من وسامة وقوة ،إلا أنه كان مصاحباً بضعف في الشخصية و قلة حيلة لفقره ألقت بهند إلى يد زوجة أبيها (جوزفين)، تلك المرأة القوية الشخصية المتحكمة في مجريات الأمور كلها والتي رسمت لـ (هند) ملامح طريقها في أيامها الأولى وفي شبابها أيضاً ، إلا أنها كانت تمارس مشاعر أمومتها بشكل ما. والطريق الضيق الطويل هو طريق حياتها كما كانت تراه من فقد للأم أودعها إحدى المدارس الداخلية، لزوجة أب مسيطرة، لأشخاص يمارسون عليها طقوس السيطرة الفكرية.



تعبر بنا الرواية محطات منتقاة بعناية لتوقفنا ثانية مع اللوحات، والمشهد الأول لبطل القصة(معز). فيبدأ حديثه مع البطلة (تعرفين أنها تشبهك). يقصد المرأة المجهولة التي تحتل بورتريه غلاف رواية آنَّـا كارنينا، التي رسمها الفنان Ivan Kramskoy والتي كانت البطلة تمسك بها حين لقائهما الأول - الذي رتبه لهما القدر- في القطار. وتواصل رشا تعريفنا على هذه اللوحة الغامضة بمزيد من الحوار على لسان البطل "هذا الفنان يملك القدرة على التسلل داخل النفس البشرية ويظهر ما بداخلها. ذات مرة جلست أمامه سيدة من الطبقة الأرستقراطية ليرسمها وهي ترتدي ثوباً أنيقاً من الحرير الأبيض وتضع على وجهها هذه الإبتسامة المصطنعة وعندما انتهى الفنان من اللوحة ، فوجئت السيدة أنه رسمها بملامح حزينة و ترتدي السواد". نستطيع أن نلمح أوجه الشبه بين اللوحتين وبطلة الرواية التي يغيم على تفاصيل حياتها البؤس والحزن . والإشارة إلى رواية آنَّـا كارنينا في حد ذاته لايخلو من الإيحاء، حيث يشير إلى قصة الحب الخالدة المستحيلة التي تجمع بطلي الرواية. (معز) هذا الشاب الذي يملك من الجاذبية والوسامة القدر الكبير الذي لم ينتقص من ثقافته وفكره، والذي شاءت الظروف أن يعاني في سنواته الأولى من بطش الأستعمار بالقدر الذي جعله ينضم إلى منظمة ألمانية (الرواية تجري أحداثها في الأربعينيات).


لوحة أخرى، وأيضاً بطلة اللوحة سيدة تكسو ملامحها الغموض. لوحة (الموناليزا) ، وهي الأشهر عالمياً، تلك المعلقة على أحد جدران مكتب رئيس البطلة (الجنرال باتريك)، الرجل الأكثر قوة في السفارة الفرنسية . و هو – الجنرال باتريك – يعشق اللوحة لأنها تخلق فيه حالة مزاجية خاصة تعيد إليه توازنه و نشاطه، وكذلك هي – هند، بطلة الرواية – تخلق فيه نفس الحالة المزاجية حين يراها. على لسانه تخبرنا الرواية عن سر شهرة اللوحة – وهو التأمل- فيقول " لم ينظر أحد لهذه اللوحة إلا وخلقت عنده بُعد تأملي، فلم ينظر إليها شخص - سواء مهتم بالفن أو لا – وتركها ومضى إلا وتوالدت بداخله الأفكار: ما معنى هذه الإبتسامة ؟ وهل السيدة في اللوحة سعيدة أم حزينة ؟ والأكثر جنوناً يعتقدون أنها بنظرتها تريد أن تخبرهم بشئ فيستغرقهم التفكير، ترى ما الذي تريد أن تطلعنا عليه ؟ ". فهل أطلعت (الموناليزا) هند على ما تريد منها ؟ هل التأمل هنا كان الباعث كي تغير هند مجرى حياتها كلياً.


اعرفها- رشا عدلي - من خلال حروفها المتلألأة بعمق المغزى وبديع التكوين، فلم تكن تتركنا مع متعة اللوحات الفنية - المقتناة بعناية و بيد خبير- فقط لكنها أيضاً تأسرنا بكلماتها التي تصاحب اللوحة، وكأنها معزوفة موسيقية رائعة تسري من آذاننا إلى قلوبنا بسحر لا يقاوم.

لم تخذلني وأنا ابحث بين طيات الرواية عن هذا السحر. فهلا تربطون أحزمة دهشتكم وتنطلقون معي في رحلة إلى سماء الروعة..............

حين تصف مشاعرالبطلة عند فراق مدينتها (الأسكندرية): "الكثير من المدن تسكننا و الأخرى نسكنها"

وحين تصف لقائها بالجدة تقول: "وكالعادة لقائي بها ينبش في تلابيب الذاكرة لتنساب أحزانها شلال يجرفها إلى حيث لا تدري من الدموع"

"أنا المطر دائم الإنهمار داخلي" ، "حصلت على دكتوراة مع مرتبة الألم" ، "الموت هو الموت، حضوره لا يعني سوى ذهابنا" ... الجمل على لسان البطل تحمل ألم دفين.

"لطالما تسائلت هل الحزن الذي يسكنني أم أنا التي أسكن فيه، ولماذا يأبى أن يغادرني؟ هل هناك نفوس تغريه بالإقامة بها وتصبح ضالته وعندما تطالبه بالمغادرة يسخر منها ،فقد أصبحت موطنه؟"

العبارات تحمل حالة الحزن التي تكسو جو الرواية فيما عدا بعض المواطن البسيطة التي حل فيها الحب بأجنحة من فرح لم يدوم.

"كانت أيام لقاءه هي أيام فرحي التي أزف فيها إليه، أرتدي له أجمل أيام عمري، أذهب إليه وفي كل ما أرتديه أقول له أحبك"

"فأي قناص سادي هو العشق عندما يحتل الروح ويبدأ في إطلاق سهامه على من أحببنا"

"مستحيل هذا الرجل الذي ولكأنه منذ البدء يعد نفسه ليكون كل شىء به مضاعف، فقد كان رجلاً وأكثر ، بطلاً وأكثر، مدهش و أكثر، نزيه واكثر .. فما العجب إذن أن أقع في حبه وأكثر"

"منذ البدء و السعادة في حياتي لحظات قليلة تومض سريعاً و تمر تسحب في ذيلها مشاريع أحلامي"

وليس هناك ما أختم به حديثي عن تلك الرواية إلا من حديث راويتنا (رشا عدلي):

"هناك كوارث أي شىء عدا الصمت معها يعد ابتذالاً"

آخر طقس

ذات صباح لن يُغْفِلَ استيقاظك.. أنت على موعد مع .. الحياة لم تنبئني العرافة به.. لم تفصح عنه فناجين القهوة حدسٌ هو.. لم تتمكن سن...